[size=18][size=16]
[size=21]يا صاحب الرسالة ..
يا من تُعرف وسط ألوف من الناس، كسبيكة الذهب الأصلية بين الزيف، وحبة اللؤلؤ الطبيعي في كومة الخرز الرخيص.
يا صاحب الرسالة
هذه رسالتي إليك إن كان عزمك قد وهن، وعهدك قد نُسي.
هذه وصيتي
لمن زار الفتور روحه، وانخفضت لذلك درجة حرارة القلب، وتعرَّض لوعكة روحية.
لمن ..
توالت عليه المسئوليات فاضطربت عنده الأولويات: الدنيا ومشتقاتها في رأس القائمة والآخرة في المؤخِّرة!!
غيث الكلِمات
ربما كان البكاء كافيا في حق غيرك، أما أنت فدموعك وأحزانك لهما وظيفتان: رفع الحق ودفع الباطل.
هذا الكتاب ديوان من دواوين الحماسة، وشعلة من شعلات العزم توقد البأس وتقدح زناد الفكر وتُعلي الهمم.
هو عصارة هَمٍّ وزفرة ألم.. أوجِّهها إلى من نسي مهمته وانشغل عن رسالته وأخذته دنياه بعيدا عن غايته.
وليس له فحسب .. بل لكل مسلم حيث نصرة الدين أمانة في عنقه مهما كان عليه من معصية من أكل الربا إلى ارتكاب فاحشة.
ليس هذا كتابا لطائفة خاصة من الأمة أو للصفوة من دعاتها بل للأمة بأسرها،
ولكل لمن يعقل عن الله ورسوله ^ رجلا كان أو امرأة، شابا كان أو شيخا،
أيًّا كان موقعه أو درجة قربه أو بعده عن ربه، ومهما كان علمه وثقافته،
حيث واجب نصرة الدين قد طوَّق عنق الجميع، من آكل الحرام إلى المتهجِّد
بالقيام، ومن مرتكِب الفحشاء إلى السامي إلى العلياء.
هذا الكتاب يُخاطب به الشيخ ذو الشيبة الذي يمتلك عزما وهمة، ولا يخاطب به الشاب مقعد الهمة الدنيوي.
أولا: مهموما بدعوته:
كيف لا تحمل هَمَّ دعوتك..•
*وأنت ترى المنكرات تملأ الأرجاء حتى لو رآنا رسول الله ^ لأنكرنا.
•وأنت تخرج للأسواق فلا ترى غير شباب تائه يبحث عن فريسة تتعرَّض له وتتهادي بين يديه!!
•وأنت تعيش في أمة المليار ومع هذا لم تحصد في ميادين الإنجاز سوى الأصفار!!
•وأنت ترى التبرج يستشري والعري يسري وحجاب بناتنا يذوي، وإن ارتدينه
فمظهر لا جوهر وشخص بلا روح، فلا سلوك يدل عليه أو آداب تبشِّر به.
•وأنت ترى غزة الأبية تعاني ما لو مَرَّ بالحديد لذاب و بالوليد لشاب؟!
•وقد علا صوت الباطل وخفت صوت الحق، وصار الأمر إلى ما قال شيخ الإسلام مصطفى صبري:
إذا قلتُ المحال رفعتُ صوتي وإن قلتُ اليقين أطلتُ همسي
•والدعوة كل يوم تطلبك وتستصرخ نجدتك وترتقب عودتك، ودينك الذي هو أغلى الأشياء أضحى وأمسى تحت القصف ولا ناصر أو مغيث؟!
1-قيمتك = هِمَّتك:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
«العامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب»( ).
وفي ضوء هذه القول الساطع .. ما هو قدرك عند الله؟! كم تزن عنده؟! ما قيمتك الحقيقية من غير أموالك وجاهك وسلطانك؟!
تريد أن تعرف؟!
اسأل نفسك:
أي همٍّ تحمل؟!
دنيا زائلة ومتاع فان؟!
وظيفة مغرية تمتص رحيق شبابك لتذبل بعدها زهرة حياتك؟!
منصب مرموق تسعى إليه ثم تُعزَل عنه عاجلا أو آجلا؟!
امرأة تحبها ثم ينزل بكما الموت فتغادرها أو تغادرك؟!
أم أن همَّك جنةٌ أبدية عرضها السماوات والأرض، يفوز
بأعلى درجاتها من بلغ أعلى درجات الإيمان في الدنيا، وهل أعلى من العمل
أجيرا عند الله لتبليغ رسالته ونشر هدايته؟!
وهل هناك ما هو أحسن من الدعوة إلى الله؟!
والجواب حاضر في كتاب ربِّك :
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [ فصلت: 33]
صاحب الرسالة خبير بالأعمال (ومراتبها عند الله، ومنازلها في الفضل،
ومعرفة مقاديرها، والتمييز بين عاليها، وسافلها، ومفضولها وفاضلها،
ورئيسها ومرؤوسها، وسيدها ومسودها؛ فإن في الأعمال والأقوال سيدا ومسودا،
ورئيساً ومرؤوسا، وذروة وما دونها)( ).
وإنه لشرف عظيم ونعمة عظمى أن اصطفاك الله من وسط خلقه لتحمل رسالته،
وتنال شرف الاتباع: اتباع النبي ^ واقتفاء أثره، وكفى بهذه شرفا، فهذه
وحدها كافية للحشر تحت لوائه ومجالسته على سرير واحد في قصور الجنة، وهو
ما علمته ثم عملت به -بارك الله فيك-حين غاب عن كثير ممن حولك.
يقول ابن القيِّم:
«ولا يكون من أتباع الرسول على الحقيقة إلا من دعا إلى الله على بصيرة. قال الله تعالى: ﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ﴾
4﴾ تفسير لسبيله التي هو عليها، فسبيله وسبيل أتباعه: الدعوة إلى الله، فمن لم يدع إلى الله فليس على سبيله»( ).
والدعوة إلى الله تعالى -كما علمك من ربَّاك ودعاك-
هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، ولأنها أشرف المهام فقد سبقت غيرها من
الأعمال كما أشار إلى ذلك ابن القيِّم:
«وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى
نحور العدو لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا
تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم جعلنا الله تعالى منهم
بمنِّه وكرمه»( ).
ولأن الدعوة سبقت غيرها من الأعمال فقد سبق حاملوها غيرهم من العباد. قال ابن القيم يصفكم ويثني عليكم:
«وهؤلاء هم خواص خلق الله، وأفضلهم عند الله منزلة وأعلاهم قدرا»( ).
ولكن هذه الخيرية ليست مطلقة أو مرسلة دون دليل، بل تسبقها صحائف الأعمال، وتتكلم عنها سجلات الإنجازات، وفي مقدمتها:
«كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضال تائه قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد»( ).
من أجل هذا كلِّه رأى عمر بن الخطاب في وجودكم نعمة ربانية ومنحة إلهية تستحق الحمد، فقال :
«الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلَّ إلى الهدى»( ).
فكيف لا تحتل الدعوة بعد هذا كله قمة اهتماماتكم وذروة أولوياتكم، وكيف لا تتحرَّقون شوقا للعمل في صفوفها ورفع لوائها؟!
أما الهمة السافلة!!
يروي الرواة أن الحطيئة هجا الزبرقان بقصيدة قال فيها:
دعِ المكارم لا ترحل لبُغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فجاء الزبرقان يشكو الحطيئة إلى عمر بن الخطاب ويتهمه بأنه هجاه ، فقال
عمر: ما أسمع هجاءً ولكنها معاتبةٌ؛ فقال الزبرقان: أو ما تبلغ مروءتي إلا
أن آكل وألبس! فقال عمر: عليَّ بحسان، فجيء به فسأله؛ فقال: لم يهجه ولكن
سلح عليه. ويقال: إنه سأل لبيداً عن ذلك فقال: ما يسرني أنه لحقني من هذا
الشعر ما لحقه وأن لي حمر النعم، فأمر به عمر فحُبِس.
فانظر كيف كانت همَّة الطعام والشراب معيبة، وعارا لا يفارق صاحبه، وسُبة في جبينه تلزمه أبد الدهر حتى الموت!!
وانظر بعدها إلى همم الناس حولك، هل تجدها اليوم إلا في زوجة حسناء وحلم
بقصر مشيد ونزهة ومتعة وأكلة وشربة؟! هل ترى أكثرهم إلا حافظي أموال
ومضيعي دين!! في دائرة الهجاء يدورون وداخل حلقة الذمِّ مُحاصرون؟!
أما أنت .. فالحمد لله الذي عافاك، حملت
أشرف هم وأجل غاية، فهَمُّك دعوتك، وشغلك رسالتك، ويحق لك أن تفرح بذلك
وتفخر بذلك وتصدح في العالمين بذلك. قال الإمام البنا مخاطبا جمهور الدعاة
غارسا فيهم هذا الشعور:
«ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس».
وهو الفخر الوحيد الممتد والباقي إلى يوم القيامة،
حين تتساقط كل ألوان الفخر الزائفة من الفخر بالمال أو الحسب أو الجاه أو
النسب، ولا يبقى سوى الفخر الوحيد الصالح للتداول يومها: الفخر بالطاعة
واتباع الحبيب، ليحق لك عندها أن تهتف بهتاف ابن الوزير اليمني:
يا حبَّذا يوم القيامة شُهرتي بين الخلائق في المقام الأحمد
لمحبتي سنن الرسول وإنني فيها عصيت مُعنِّفي ومُفنِّدي
وتركت فيها جيرتي وعشيرتي ومحل أترابي وموضع مولدي
من مواضيع خالد أبو شادي[/size][/size]
[size=21]يا صاحب الرسالة ..
يا من تُعرف وسط ألوف من الناس، كسبيكة الذهب الأصلية بين الزيف، وحبة اللؤلؤ الطبيعي في كومة الخرز الرخيص.
يا صاحب الرسالة
هذه رسالتي إليك إن كان عزمك قد وهن، وعهدك قد نُسي.
هذه وصيتي
لمن زار الفتور روحه، وانخفضت لذلك درجة حرارة القلب، وتعرَّض لوعكة روحية.
لمن ..
توالت عليه المسئوليات فاضطربت عنده الأولويات: الدنيا ومشتقاتها في رأس القائمة والآخرة في المؤخِّرة!!
غيث الكلِمات
ربما كان البكاء كافيا في حق غيرك، أما أنت فدموعك وأحزانك لهما وظيفتان: رفع الحق ودفع الباطل.
هذا الكتاب ديوان من دواوين الحماسة، وشعلة من شعلات العزم توقد البأس وتقدح زناد الفكر وتُعلي الهمم.
هو عصارة هَمٍّ وزفرة ألم.. أوجِّهها إلى من نسي مهمته وانشغل عن رسالته وأخذته دنياه بعيدا عن غايته.
وليس له فحسب .. بل لكل مسلم حيث نصرة الدين أمانة في عنقه مهما كان عليه من معصية من أكل الربا إلى ارتكاب فاحشة.
ليس هذا كتابا لطائفة خاصة من الأمة أو للصفوة من دعاتها بل للأمة بأسرها،
ولكل لمن يعقل عن الله ورسوله ^ رجلا كان أو امرأة، شابا كان أو شيخا،
أيًّا كان موقعه أو درجة قربه أو بعده عن ربه، ومهما كان علمه وثقافته،
حيث واجب نصرة الدين قد طوَّق عنق الجميع، من آكل الحرام إلى المتهجِّد
بالقيام، ومن مرتكِب الفحشاء إلى السامي إلى العلياء.
هذا الكتاب يُخاطب به الشيخ ذو الشيبة الذي يمتلك عزما وهمة، ولا يخاطب به الشاب مقعد الهمة الدنيوي.
أولا: مهموما بدعوته:
لماذا الهم بالدعوة؟!
كيف لا تحمل هَمَّ دعوتك..•
*وأنت ترى المنكرات تملأ الأرجاء حتى لو رآنا رسول الله ^ لأنكرنا.
•وأنت تخرج للأسواق فلا ترى غير شباب تائه يبحث عن فريسة تتعرَّض له وتتهادي بين يديه!!
•وأنت تعيش في أمة المليار ومع هذا لم تحصد في ميادين الإنجاز سوى الأصفار!!
•وأنت ترى التبرج يستشري والعري يسري وحجاب بناتنا يذوي، وإن ارتدينه
فمظهر لا جوهر وشخص بلا روح، فلا سلوك يدل عليه أو آداب تبشِّر به.
•وأنت ترى غزة الأبية تعاني ما لو مَرَّ بالحديد لذاب و بالوليد لشاب؟!
•وقد علا صوت الباطل وخفت صوت الحق، وصار الأمر إلى ما قال شيخ الإسلام مصطفى صبري:
إذا قلتُ المحال رفعتُ صوتي وإن قلتُ اليقين أطلتُ همسي
•والدعوة كل يوم تطلبك وتستصرخ نجدتك وترتقب عودتك، ودينك الذي هو أغلى الأشياء أضحى وأمسى تحت القصف ولا ناصر أو مغيث؟!
1-قيمتك = هِمَّتك:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
«العامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب»( ).
وفي ضوء هذه القول الساطع .. ما هو قدرك عند الله؟! كم تزن عنده؟! ما قيمتك الحقيقية من غير أموالك وجاهك وسلطانك؟!
تريد أن تعرف؟!
اسأل نفسك:
أي همٍّ تحمل؟!
دنيا زائلة ومتاع فان؟!
وظيفة مغرية تمتص رحيق شبابك لتذبل بعدها زهرة حياتك؟!
منصب مرموق تسعى إليه ثم تُعزَل عنه عاجلا أو آجلا؟!
امرأة تحبها ثم ينزل بكما الموت فتغادرها أو تغادرك؟!
أم أن همَّك جنةٌ أبدية عرضها السماوات والأرض، يفوز
بأعلى درجاتها من بلغ أعلى درجات الإيمان في الدنيا، وهل أعلى من العمل
أجيرا عند الله لتبليغ رسالته ونشر هدايته؟!
وهل هناك ما هو أحسن من الدعوة إلى الله؟!
والجواب حاضر في كتاب ربِّك :
﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [ فصلت: 33]
صاحب الرسالة خبير بالأعمال (ومراتبها عند الله، ومنازلها في الفضل،
ومعرفة مقاديرها، والتمييز بين عاليها، وسافلها، ومفضولها وفاضلها،
ورئيسها ومرؤوسها، وسيدها ومسودها؛ فإن في الأعمال والأقوال سيدا ومسودا،
ورئيساً ومرؤوسا، وذروة وما دونها)( ).
وإنه لشرف عظيم ونعمة عظمى أن اصطفاك الله من وسط خلقه لتحمل رسالته،
وتنال شرف الاتباع: اتباع النبي ^ واقتفاء أثره، وكفى بهذه شرفا، فهذه
وحدها كافية للحشر تحت لوائه ومجالسته على سرير واحد في قصور الجنة، وهو
ما علمته ثم عملت به -بارك الله فيك-حين غاب عن كثير ممن حولك.
يقول ابن القيِّم:
«ولا يكون من أتباع الرسول على الحقيقة إلا من دعا إلى الله على بصيرة. قال الله تعالى: ﴿ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ﴾
4﴾ تفسير لسبيله التي هو عليها، فسبيله وسبيل أتباعه: الدعوة إلى الله، فمن لم يدع إلى الله فليس على سبيله»( ).
والدعوة إلى الله تعالى -كما علمك من ربَّاك ودعاك-
هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، ولأنها أشرف المهام فقد سبقت غيرها من
الأعمال كما أشار إلى ذلك ابن القيِّم:
«وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى
نحور العدو لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا
تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم جعلنا الله تعالى منهم
بمنِّه وكرمه»( ).
ولأن الدعوة سبقت غيرها من الأعمال فقد سبق حاملوها غيرهم من العباد. قال ابن القيم يصفكم ويثني عليكم:
«وهؤلاء هم خواص خلق الله، وأفضلهم عند الله منزلة وأعلاهم قدرا»( ).
ولكن هذه الخيرية ليست مطلقة أو مرسلة دون دليل، بل تسبقها صحائف الأعمال، وتتكلم عنها سجلات الإنجازات، وفي مقدمتها:
«كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضال تائه قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد»( ).
من أجل هذا كلِّه رأى عمر بن الخطاب في وجودكم نعمة ربانية ومنحة إلهية تستحق الحمد، فقال :
«الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلَّ إلى الهدى»( ).
فكيف لا تحتل الدعوة بعد هذا كله قمة اهتماماتكم وذروة أولوياتكم، وكيف لا تتحرَّقون شوقا للعمل في صفوفها ورفع لوائها؟!
أما الهمة السافلة!!
يروي الرواة أن الحطيئة هجا الزبرقان بقصيدة قال فيها:
دعِ المكارم لا ترحل لبُغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فجاء الزبرقان يشكو الحطيئة إلى عمر بن الخطاب ويتهمه بأنه هجاه ، فقال
عمر: ما أسمع هجاءً ولكنها معاتبةٌ؛ فقال الزبرقان: أو ما تبلغ مروءتي إلا
أن آكل وألبس! فقال عمر: عليَّ بحسان، فجيء به فسأله؛ فقال: لم يهجه ولكن
سلح عليه. ويقال: إنه سأل لبيداً عن ذلك فقال: ما يسرني أنه لحقني من هذا
الشعر ما لحقه وأن لي حمر النعم، فأمر به عمر فحُبِس.
فانظر كيف كانت همَّة الطعام والشراب معيبة، وعارا لا يفارق صاحبه، وسُبة في جبينه تلزمه أبد الدهر حتى الموت!!
وانظر بعدها إلى همم الناس حولك، هل تجدها اليوم إلا في زوجة حسناء وحلم
بقصر مشيد ونزهة ومتعة وأكلة وشربة؟! هل ترى أكثرهم إلا حافظي أموال
ومضيعي دين!! في دائرة الهجاء يدورون وداخل حلقة الذمِّ مُحاصرون؟!
أما أنت .. فالحمد لله الذي عافاك، حملت
أشرف هم وأجل غاية، فهَمُّك دعوتك، وشغلك رسالتك، ويحق لك أن تفرح بذلك
وتفخر بذلك وتصدح في العالمين بذلك. قال الإمام البنا مخاطبا جمهور الدعاة
غارسا فيهم هذا الشعور:
«ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس».
وهو الفخر الوحيد الممتد والباقي إلى يوم القيامة،
حين تتساقط كل ألوان الفخر الزائفة من الفخر بالمال أو الحسب أو الجاه أو
النسب، ولا يبقى سوى الفخر الوحيد الصالح للتداول يومها: الفخر بالطاعة
واتباع الحبيب، ليحق لك عندها أن تهتف بهتاف ابن الوزير اليمني:
يا حبَّذا يوم القيامة شُهرتي بين الخلائق في المقام الأحمد
لمحبتي سنن الرسول وإنني فيها عصيت مُعنِّفي ومُفنِّدي
وتركت فيها جيرتي وعشيرتي ومحل أترابي وموضع مولدي
من مواضيع خالد أبو شادي[/size][/size]